يسعدنا في موقع
القصة إن نقدم لكم جديد القصص بكافة أنواعها ( قصص واقعية, قصص
دينية , قصص الأنبياء ,قصص إسلامية , قصص كليلة ودمنة ,قصص ألف ليلة وليلة , قصص الحب, قصص الفراق, قصص سياسية , قصص النساء , قصص رومنسية , القصص البوليسية,
القصة القصيرة ,قصص خيانة , قصص وعبر , والعديد من القصص
المتميزة والشيقة والرائعة ) واليوم نقدم لكم القصص المسلية جداً والمفيدة
بعنوان ”
قصة أبن الملك والطائر فنزة ” وهي من من قصص كليلة ودمنة
الشيقة والرائعة وتحمل الكثير من الحكم والعبر.
قال
دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل، فاضرب لي مثل أهل التِّرات الذين
لا بد لبعضهم من اتقاء بعض. قال بيدبا: زعموا أن ملكاً من ملوك الهند كان يقال له بريدون،
وكان له فرخ وكان هذا الطائر وفرخه ينطقان بأحسن منطق، وكان الملك بهما معجباً، فأمر
بهما أن يجعلا عند امرأته، وأمرها بالمحافظة، عليهما. واتفق أن امرأة الملك ولدت غلاماً،
فألف الفرخ الغلام. وكلاهما طفلان يلعبان جميعاً، وكان فنزة يذهب إلى الجبل كل يوم
فيأتي بفاكهة لا تعرف فيطعم ابن الملك شطرها. ويطعم فرخه شطرها.
فأسرع ذلك في نشأتهما
وزاد في شبابهما وبان عليهما أثره عند الملك: فازداد لفنزة إكراماً وتعظيماً ومحبة
حتى إذا كان يوم من الأيام وفنزة غائب في اجتناء الثمرة وفرخه في حجر الغلام ذرق في
حجره فغضب الغلام وأخذ الفرخ فضرب به الأرض فمات. ثم إن فنزة أقبل فوجد فرخه مقتولاً
فصاح وحزن وقال: قبحاً للملوك الذين لا عهد لهم ولا وفاء ويل لمن ابتلى بصحبة الملوك
الذين لا حمي لهم ولا حرمة ولا يحبون أحد ولا يكرم عليهم إلا إذا طمعوا فيما عنده من
غناه واحتاجوا إلى ما عنده من علم: فيكرمونه لذلك فإذا ظفروا بحاجتهم منه فلا ود ولا
إخاء ولا إحسان ولا غفران ذنب ولا معرفة حق هم الذين أمرهم مبني على الرياء والفجور.
وهم يستصغرون ما يرتكبونه من عظيم الذنوب ويستعظمون اليسير إذا خولفت فيه أهواؤهم.
ومنهم هذا الكفور الذي لا رحمة له الغادر بأليفه وأخيه. ثم وثب في شدة حنقه على وجه
الغلام ففقأ عينه، وطار فوقع على شرفة المنزل. ثم إنه بلغ الملك ذلك، فجزع أشد الفزع،
ثم طمع أن يحتال له فوقف قريباً منه وناداه وقال له: إنك آمن فنزل يا فنزة. فقال له:
أيها الملك إن الغادر مأخوذ بغدره وإنه إن أخطأه عاجل العقوبة لم يخطئه الآجل حتى إنه
يدرك الأعقاب وأعقاب الأعقاب وإن ابنك غدر بابني، فعجلت له العقوبة. قال الملك: لعمري
قد غدرنا بابنك، فانتقمت منا: فليس لك قبلنا ولا لنا قبلك وتر مطلوب. فارجع إلينا آمناً.
قال فنزة: لست براجع إليك أبداً فإن ذوي الرأي قد نهوا عن قرب الموتور فإنه لا يزيدك
لطف الحقود ولينه وتكرمه إياك إلا وحشة منه، وسوء ظن به: فإنك لا تجد للحقود الموتور
أماناً هو أوثق لك من الذعر منه ولا أجود من البعد عنه ولأحترس منه أولى. وقد كان يقال:
إن العاقل يعد أبويه أصدقاء والأخوة رفقاء والأزواج ألفاء والبنين ذكراً، والبنات خصماء
والأقارب غرماء ويعد نفسه فريداً. وأنا الفريد الوحيد الغريب الطريد قد تزودت من عنكم
من الحزن عبئاً ثقيلاً لا يحمله معي أحد. وأنا ذاهب. فعليك مني السلام.
قال
الملك: لقد علمت أنه لا يستطيع أحد لأحد ضراً ولا نفعاً، وأنه لا شيء من الأشياء صغيراً
ولا كبيراً يصيب أحد ألا بقضاء وقدر معلوم. وكما أن خلق ما يخلق، وولادة ما يولد، وبقاء
ما يبقى ليس إلى الخلائق منه شئ، كذلك فناء ما يفنى وهلاك ما يهلك. وليس لك في الذي
صنعت بابني ذنب، ولا لا بني فيما صنع بابنك ذنب. إنما كان ذلك كله قدراً مقدوراً، وكلانا
له علة: فلا نوأخذ بما به القدر. قال فنزة: إن القدر لكما ذكرت، لكن لا يمنع ذلك الحازم
من توقى المخاوف، والاحتراس من المكاره. ولمنه يجمع تصديقاً بالقدر وأخذاً بالحزم والقوة.
وأنا أعلم أنك تكلمني بغير ما في نفسك. والأمر بيني وبينك غير صغير: لأن ابنك قتل ابني،
وأنا فقأت عين ابنك، وأنت تريد أن تشتفي بقتلي، وتخلني عن نفسي، والنفس تأبى الموت.
وقد كان يقال: الفاقة بلاء والحزن بلاء وقرب العدو بلاء وفراق الأحبة بلاء والسقم بلاء
والهرم بلاء، ورأس البلايا كلها الموت. وليس أحد بأعلم بما في نفس الموجع الحزين ممن
ذاق مثل ما به. فأنا بما في نفسي عالم بما نفسك: للمثل الذي عندي من ذلك. ولا خير لي
في صحبتك: فإنك لن تتذكر صنيعي بابنك، ولن أتذكر صنيع ابنك بابني، إلا أحدث ذلك لقلوبنا
تغييراً.
قال
الملك: لا خير فيمن لا يستطيع الإعراض عما في نفسه، وينساه ويهمله، حتى لا بذكر منه
شيئاً، ولا يكون له في نفسه موقع. قال فنزة: إن الرجل الذي في باطن قدمه قرحة، إن هو
حرص على المشي فلا بد أنه لا يزال يشتكي قرحته، والرجل الأرمد العين إذا استقبل بها
الريح، تعرض لأن تزداد رمداً. وكذلك الواتر إذا دنا من الموتور، فقد عرض نقسه للهلاك.
ولا ينبغي لصاحب الدنيا إلا توقي المهالك والمتالف، وتقدير الأمور وقلة الاتكال على
الحول والقوة، وقلة الاغترار بمن لا يأمن: فإنه من اتكل على قوته، فحمله ذلك على أن
يسك الطريق المخوف، فقد سعى في حتف نفسه. ومن لا يقدر لطاقته طعامه وشرابه وحمل نفسه
ما لا تطيق ولا تحمل فقد قتل نفسه. ومن لا يقدر لقمته، وعظمها فوق ما يسع فوه، فربما
غص بها فمات. ومن اغتر بكلام عدوه، وانخدع له وضيع الحزم، فهو أعدى الحزم لنفسه من
عدوه. وليس لأحد النظر في القدر الذي لا يدري ما يأتيه منه ولا ما يصرف عنه، ولكن عليه
العمل بالحزم والأخذ بالقوة ومحاسبة نفسه في ذلك. والعاقل لا يثق بأحد ما استطاع، ولا
يقيم على خوف وهو يجد عنه مذهباً. وأنا كثير المذاهب وأرجو ألا أذهب وجهاً ألا أصبت
فيه مت يغنيني: فإن خلالاً خمساً من تزودهن كفينه في كل وجه، وآنسنه في غربة، وقربن
له البعيد، وأكسبنه المعاش الإخوان: أولهن كف الأذى والثانية حسن الأدب، والثالثة مجانبة
الريب والرابعة كرم الخلق، والخامسة النبل في العمل. وإذا خاف الإنسان على نفسه شيئاً
طابت نفسه عن المال والأهل والولد والوطن: فإنه يرجو الخلف من ذلك كله ولا يرجو عن
النفس خلفاً. وشر المال ما لا إنفاق منه وشر الأزواج التي لا تواتي بعلها، وشر الولد
العاصي العاق لوالديه وشر الإخوان الخاذل لأخيه عند النكبات والشدائد، وشر الملوك الذي
يخافه البريء، ولا يواظب على حفظ أهل مملكته، وشر البلاد بلاد بلا خصب فيها ولا أمن،
وإنه لا أمن لي عندك أيها الملك ولا طمأنينة لي في جوارك. وثم ودع الملك وطار. فهذا
مثل ذوي الأوتار الذين لا ينبغي لبعضهم أن يثق ببعض.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق