يسعدنا في موقع القصة  إن نقدم لكم جديد القصص بكافة أنواعها ( قصص واقعية, قصص دينية قصص الأنبياء , قصص إسلامية , قصص كليلة ودمنة ,قصص ألف ليلة وليلة , قصص الحبقصص الفراققصص سياسية , قصص النساء , قصص رومنسية , القصص البوليسية, القصة القصيرة,قصص خيانة , قصص وعبر , والعديد من القصص المتميزة والشيقة والرائعة , واليوم نقدم لكم  قصة جديدة بقلم الإستاذ صالح هشام   بعنوان ”قصة شجرة اللعنة / قصة قصيرة” وهي من القصص الشيقة والرائعة وتحمل الكثير من الحكم والعبر.
لقراءة المزيد من القصص المشابهة يمكنكم الإنتقال إلى قسم القصة القصيرة.
أجمع قبضتي الصغيرتين،أعتصر في راحتي فراغ الفراغ ، أحدق في المرآة ،أمعن التحديق أ كاد أخترق نفسي بنفسي ،أضرب على صدري بقوة ،كغوريلا هائجة و أصيح صيحة تحول قلب أمي يمين أضلاعها :
- أنا" سليل الوركاء" ،أنا الثور النطاح ، أنا، أنا..!
وتتبخر أناي في وابل من سباب و شتائم أمي المذعورة .
أمتطي صهوة أول عصا طويلة أصادفها في طريقي ، وأطلق ساقي للريح ، أطير في الهواء، أنتشي بركوبي حصانا مجنحا، أحسبه البجاسوس وإن لم أقل سلفا بيتا من الشعر:
-اليوم سأخترق غابات الأرز البعيدة، سأعبرها بنجاح ،سأنازل حارسها الوحش الكبير،سأحارب المارد (خمبابا) :
- ستآزر ضعفي يا (أنكيدو) أعرف أنك لا تعصى لي أمرا..فأنت لا تقل أهمية عن "سانشا "أو" عمر العيار" أو" شيبوب" !

لم يكن" أنكيدو" إلا مستكرشا بدينا ،بليدا، يدعو مظهره للسخرية ، كان وحيد جيراننا ، لم يكن بمقدوره كسر بيضة حمامة ، ومخه أقل بكثير من بيضة دجاجة ..دوما يطاوعني في شغبي ، أجره في مغامراتي فينجر دون تردد ، أملي عليه أوامري، فينفدها آليا .لم يكن ليمانع أبدا!
تلك شجرة ضخمة ، تمتد عروقها في أعماق أرض قريتنا ، فروعها منتشرة في فوضى الفضاء كعش الغراب ، تستحوذ على أمتار مربعة كثيرة من أراضي الجموع ،(الأراضي السلالية) و تتسبب في نزاعات ، وصراعات دامية بين جيراننا من حين لآخر .
نحن الصغار يحظر علينا الاقتراب منها ، بحكم قانون الكبار : تتسلل إليها العفريتة بنت الريح( ليليث ) عندما تغرب الشمس ، ويجن الليل ، يعتقدونها ، تسكن مرجة زرقاء متفرعة عن مصب النهر الهادر ، معزلها مخفي في سويقات سمار كثيف يحفها من كل جانب ، كان هذا اعتقاد الكبار وما كنا لنرفض ما يعتقدون : فأينما توجد أشجار الدفلى والسمار تختبئ هذه الملعونة ، فيسهل عليها تصيد ضحاياها من مغامري الليل .
الشجرة الشعثاء ، الفرعاء ، الضخمة ،مأوى وملتقى العشاق والأحبة من أبناء القرية الذين اشتموا روائح الإبط ، وتقصدها أيضا كائنات حية أخرى ، ومن شقوق جذعها الضخم يرفرف عشق ملوك العشق والهيام حيث تبدأ مغامراتهم الغرامية يتمسحون بأشعة وجه القمر، يعزفون أنشودة الحب الخالد ، ونحن بكل وقاحة أنا و"أنكيدو" نتجسس عليهم ، ونكاد نلبسهم دون أن يشعروا فنتفنس أنفاسهم !
أعرج على "أنكيدو" أناديه ، يخرج إلي ، يفرك عينيه ، يراوده النوم قبل أن تلوذ فراخ الدجاج بخمها ،دون أن أكلمه أدفعه أمامي فيتدافع ويسألني بغباء :
-إلى أين يا ثور .؟ يا نطاح؟ تشعرني كلماته أني ذو شأن عظيم ، فأنفش ريشي كالديك الرومي :
- إلى غابات الأرز البعيدة ،نبغي استئصال شر الوحش "خمبابا" يا صديقي !
-ومالنا نحن وهذه الغابات المخيفة ،البعيدة ؟!
-أنا" البطل الجميل" سأصارع الوحش "خمبابا" سأصفي حسابي معه ، سأخلص بني البشر من شره ، واعتداءته المتكررة !
أكلمه متظاهرا بالجدية ، فأشعر بالمسكين كادت فعلته تستقر في قاع مداسه ،والرعد يزمجر في دواخل أمعائه ربما سيكون خيره عميما ·فأهدئ من روعه :
- غابات الأرز ليست غير تلك الشجرة التي تقبع هناك : فرعاء، رعناء ،شعثاء منفوشة الأغصان !
يجب أن نعرف سرها، أن نكشف سترها ومستورها ،و لماذا يحرمها علينا الكبار دون البالغين من أبناء القرية ،أليس كذلك يا هذا ؟
يقاوم "أنكيدو "شرنقة الخوف تعبث بدماغه :
-نعم أيها" البطل الجميل " تذكر أنهم وجدوا في يوم من الأيام معزة سوداء متخشبة كالمومياء ، ولم يعرف سبب موتها إلى يومنا هذا ! إننا أصغر من هذه المغامرة يا صديقي ، يا بطل ، ياجميل!
أمسحه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بنظرات عتاب حادة :
- أنت تخذلني يا "أنكيدو " وما فعلها "سانشا " يوما .وما تخلى شيبوب عن عنترة في محنه، فمالك أنت أجبن من الجبن ؟
- أنا معك يا بطل، ننجو معا أو نغرق معا فسفينتنا واحدة ، ولا فرق بين الراكب والربان!
"أنكيدو" ما تخلى عن البطل الجميل يوما في حروبه مع قوى الشر والظلام .
ينتابنا شعور غريب و خيالات الأشياء تسيل على وجه الأرض ،معلنة رحيل ضوء النهار وحلول ليل غريب الأسرار .
نمتطي صهوة المغامرة ، بقلوب منتفخة لكن بعزيمة وإرادة تغذيها الرغبة في كشف المستور! نتسلل كاللصوص، نلتحف عباءة الليل ، وبصوت خافت يشوبه خوف وحذر شديد :
-إلى الأمام ، إلى تلك الشجرة، اليوم سنكشف اللعبة ، ونتحدى الكبار !
نعرف أنها مهجورة تماما ، لا تزورها كائنات النهارتجنبا لشرور عوالمها الخفية ،أما الكائنات الليلية : لا أعرف شيئا !كل ما أعرفه :
أننا نقترب منها بخطى ثقيلة جدا وكأننا نسير في الوحل ٠٠ أ أشعر بقلبي يركل كالجنين في مختلف أنحاء صدري ، رأسي ينفش ريشه ، أفقد سمعي نسبيا،فيغمرني بلل بارد ،"أنكيدو" يتمسكك بي ، يشدني إلى الأرض ، يعوق حركتي ، أضرب يده الممسكة بي بقبضتي : -أتركني يا بليد ، لا تنس أنك في حماية "البطل الجميل " قاهر رجل الطوفان، ومروض خوارق الزمان ،أ أذكرك بمن أنا كلما خطونا خطوة؟
على رؤوس الأصابع الواهنة، نقترب من هذه الكتلة من الأسرار ،نتلمس جذعها نحسها تحضننا بقوة بين أغصانها وهي تكاد تلامس الأرض : كل ورقة من فروعها كائن حي متحرك ، يكاد يفصح عن أسراره ،نشعر بعشرات العيون جاحظة تمتص نور القمر الخافت، تخترق جسدينا الصغيرين كالسهام، ترقبنا، فنحس بها تجردنا من جلدنا عن عظمه ، ربما لم نعد نميز طبائع الأشياء لخوف و فرق كبير تملك منا الحس والحواس !
يعاتبني "أنكيدو "وأسنانه تصطك وتلتصق على بعضها :
-ما كنت أقدم على مغامرة غير محسوبة العواقب ، لو لم تدفعني إلى اقتحامها دفعا يا "سليل الوركاء" !
أشعر "بالبطل الجميل" في نفسي، يرميني إلى ركوب الأخطار ،أما" أنكيدو" فلم يكن إلا تابعا من أتباعي أنا : قاهر الإنس والجان!
أشعر بماء بدلاء يسكب باردا على جسدي النحيف ، يسخن مخي ، يغلي يكاد ينفجر · "أنكيدو" أشعر به حملا ثقيلا علي: يشدني شدا و يمسح خوفه بثيابي ، وأنا أصلا عاجز عن حمل نفسي بنفسي!
تهوي علي صفعة قوية من الخلف على قفاي وركلة على مؤخرتي ، تفقدني اتزاني و توازني وأكاد أسقط ، أعوي كذئب مسعور، يندحر "سليل الوركاء" في أعماق نفسي . أطلق ساقي للريح لا ألوي على شيء، أسابق الفراغ ، وفي حلكة الظلام اتمسك بالفراغ ٠٠ لم يعد يهمني أمر صديقي" أنكيدو " دون خجل من نفسي أتنكر له ، أتركه يواجه مصيره لوحده ، تلاحقني إستغاثاته ، يطلب مني النجدة وما أنا إلا نذل جبان ،يأتيني صوت المسكين ممزوجا بأصوات الأشباح تصم أذني فأمعن في العدو ثقيلا،أعدو ..أعدو لكن كنت تحت رحمة جاثوم يجثم على صدري ، أتركه لوحده يستغيث، يصرخ مرعوبا،تضيع صرخاته في خواء الهواء ،لم أعرف ما أصابه، تخفت صرخاته وتخبو وأنا ابتعد عن تلك الشجرة الملعونة،ثم تختفي تماما، كانت دقات قلبي تشل مني السمع بأكمله ،أصل إلى بيتنا وانا ألهث، أرتمي في حضن أمي ، تلقتط مني كلمات قليلة ، تركبها في سياق حسب فهمها و بسرعة البرق يبيض الرجل في قريتنا ،ينتشر الخبر كالحبر المسكوب على البردى :
الجارة الأولى، الثانية ، الثالثة ، ثم أم المسكين" أنكيدو"! تصم ولولتها الرادارات المفتوحة عن الآخر، تدب حركة دبيب زيت في خرقة بيضاء، تفتح الأفواه ، تلتصق باللاقطات الهوائية ،و تنطلق أول ردة فعل من بيت المسكين ، الذي ما كان علي أن أخذله ، بطولتي مزيفة ،أشعر أني أكثر جبنا منه، ف"سليل الوركاء" فقط خرافة !
بسرعة فائقة يعلم رجال القرية بأمر "أنكيدو" يختلط عويل النساء بنباح الكلاب بخشخشة الأعشاب اليابسة تحت نعال قادمة في أتجاه الشجرة ،تقاوم أنوار قناديلهم الزيتية الخافتة كثافة حلكة الليل !
يا للهول! "أنكيدو" مسجى، ممدد. بكل جسده الغض ،تحت جذع تلك الشجرة الملعونة ، يمتص نورالقناديل من حوله العتمة فأتبينه بوضوح :
عيناه شاخصتان إلى سماء تلمع نجومها، لكن تحجبها الأغصان الكثيفة ، ثمة نذف ثلجية ناصعة البياض ،تغطي وجهه من الجهة اليسرى.
تقدم منه شيخ القرية ، وهو كبير رجالنا، وصاحب الحل والعقد في قريتنا، أقعى كالكلب قرب رأسه ، تترنح عكازته في كل الاتجاهات، كان يشعر بقلق قاتل،يتحسس منه مواطن نبضه ، سحنته صفراء حد الاخضرار ! تشرئب الأعناق ،تفغر الأفواه ، الكل ينتظر نتائج جس نبض المسكين ،يطرق كبير القوم رأسه ، يمعن في الإطراق ، تلتهمه عيون، تأكلها حرقة السؤال والتساؤل، بنبرة تخنقها الدموع :
-ماتزال خشبته ساخنة ،للتو أسلم روحه لخالقه ، عزاؤنا واحد يا جماعة !
يلصق الجميع رؤوسهم بصدورهم ، ويروحون في نوبة نحيب مكتوم ،تتمايل الرؤوس ، وتضرب الأكف بعضها بعضا ،و تلطم الوجوه حسرة واسى على فقيدي " أنكيدو ".
-وا مصيبتاه! مناقير كل الطيرو جوارح الأرض تنقر على رأسي نقرا ثقيلا ، يغلي صدري كالمرجل ، ألوم نفسي :
- أنا اغتصبت صباه ، ما سمعت بأبطال جبناء يخذلون في وقت الشدة ، لولا هذه الأحلام الصبيانية ،وهذا الرقص على السراب والتمسك بالضباب ، لكان المسكين الآن بين أهله وذويه وفي حضن والديه ·
ينبرى أحد المتطفلين، ويسأل الشيخ وينتشله من إطراقه وصمته :
- وماهوسبب هذه الوفاة الغامضة ياسيدنا؟!
يداعب الكبير شعيرات لحيته البيضاء : - إنها قبلة يا قوم ، نعم إنها قبلة !
في اندهاش واستغراب يتساءلون :
- قبلة ؟! قبلة ؟! القبلة تقتل؟! ما سمعنا بهذا!
-إني أرى على الجهة اليسرى من عنقه قرب منحره ، كدمات زرقاء داكنة ،وآثار أنياب،غيرطبيعية ! ومن سيكون غيرها يا قوم ؟!هذه القبلة/ عضة أفعى ، إنها اللئيمة، الشيطانة "بيذخ " بنت إبليس تمسخ أفعى ،لتهاجم ضحاياها، سترنا وستركم الله يا سادة !
- يا سيدنا إنها تسكن المرجة الزرقاء وتعيش بين أشجارالدفلى فماذا تفعل هنا؟
-عندما يجن الليل وتهيم هوامه ، تزور (ليليت) هذه العفريتة، اؤلئك الملوك الذين يعيشون في العالم السفلي تحت جذع الشجرة ، ربما في عنقها بيعة لهم ، فهم أيضا مثل البشر لهم الولاء لبعضهم ، ألا ترون أنهم يمسخون أفاعي وثعابين ،تملأ كل المكان نهارا ، تستمد طاقتها من نور الشمس .
-أي؟! أي؟!صح يا سيدنا : منذ بدأت هذه الثعابين تخرج من جذع هذه الشجرة ما رأينا فوقها طيرا يطير .. ولا حشرة تئز .. ولا أي شئ ، حتى أصبحت أغصانها منفوشة ،موحشة و مهجورة تماما !
-اسمعوا يا جماعة ، قبل أن يوارى جثمان هذا الطفل تحت الثرى ، ويجف ماء تربته، يجب أن تزول هذه الشجرة الملعونة ، إنها سبب فتنتنا نحن الكبار ، ومصدر قلق ورعب للصغار !
صاح آخر بغيض وحنق واضح :
- يجب أن تحرق هذه الملعونة واقفة بمن فيها ، لا تأخذكم بها شفقة ولا رحمة! نيرون أحرق روماوبشعبها وما التفت وما اهتم !
يبصق رجل عجوز يميناو شمالا ويتمتم بكلمات مكتومة متقطعة يبتلع حروفها :
-ألاترون أن مساكنهم تحت جذع هذه الشجرة وأخاف أن تجلبوا لنا كارثة عظمى، تحرق الضرع قبل الزرع ،الصغير قبل الكبير ،أخاف أن تحل بكم اللعنة!
يمسح كبير القرية وجه الفقيد بقطعة قماش أبيض و يصيح فيهم :
-يا قوم ،ربما هداكم الله إلى حل أمثل! فالكل يجمع على اجثثات هذه الشجرة الملعونة من قريتنا!
يصيح والد "أنكيدو " بنبرة حانقة غاضبة:
- الدم بالدم ، والدم لا يغسله إلا الدم ، السن بالسن ، والجروح قصاص ، لا أريد أن يضيع دم ولدي بين خلافاتكم ،لن يكون ولدي قشة تحت حوافر حمر حانقة ،فاليوم ولدي وغذا أولادكم. هي الأيام دول ،يا قوم !
يعم هرج ومرج، وتسود فوضى الصراخ :
- المعاول ، الفؤوس ، المداري ، وكل ما تقدرون على حمله ، فلنقتلعها من جذورها قبل أول خيط من خيوط الفجر ،فمكانها فارغ خير لنا من وجودها المشؤوم !
تنتشرالأضواء الخافتة في شعاب القرية،جيش عرمرم من السواعد القوية ، تمتشق المعاول والفؤوس تقودها الرغبة في الانتقام إلى نهاية تلك الشجرة ، لم يشفع لها كونها كانت شاهدة على ميلاد قريتنا !
تحتضر تلك الشجرة تحت رحمة المعاول و والفؤوس،والفجر على وشك الانبلاج :
تستأصل من جذورها تتهاوى بعد شموخ وتاريخ طويل ،
تتلقفها الأرض ، يلفظ مكان الجرح منها سيلا من الثعابين والأ فاعي بمختلف أنواعها وألوانها وأحجامها ،تجتاح كل ركن من أركان قريتنا. وتمتصها شقوق البيوت أمام حيرة
أهال فقدوا البوصلة، وأتلفوا رأس الخيط !
-بنبرة توبيخ وعتاب يصيح ذلك الشيخ الطاعن في السن :
- قلت لكم ستطاردكم لعنة هذه الشجرة البئيسة ستهجركم من منازلكم فاستعدوا للأسوء، على قمم جبالكم سينعق بوم خرابكم !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القصص الأكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © دائرة القصة

close

أكتب كلمة البحث...