يسعدنا في موقع القصة إن نقدم لكم جديد القصص بكافة أنواعها ( قصص واقعية, قصص دينية , قصص الأنبياء ,قصص إسلامية , قصص كليلة ودمنة ,قصص ألف ليلة وليلة , قصص الحب, قصص الفراق, قصص سياسية , قصص النساء , قصص رومنسية , القصص البوليسية, القصة القصيرة,قصص خيانة , قصص وعبر , والعديد من القصص المتميزة والشيقة والرائعة , واليوم نقدم لكم قصة جديدة للكاتبة نور العلا بعنوان ( و ما أدراك ما ليلة القدر )
******
وما أدراك ما ليلة القدر
كالمعتاد في نهارات رمضان صحوتُ ذلك اليوم لأبدأ بالتحضير لطعام الإفطار . زوجي وطفلي (فارس) كانا قد ذهبا لصلاة الجمعة .. رغم صغر سنه ، كان والده يحرص على أخذه معه دوما ليعتاد الصلاة في المساجد .
كُنتُ في المطبخ و صوت خطيب المسجد في شارعنا يأتيني عبر النافذة المُطلة على الشارع وهو يُلقي خُطبته عن ليلة القدر وفضائلها .
لاأعلم لِمَ عاودني ذلك الشعور بالقلق الذي استيقظ معي ؟
حاولتُ أن أُبرره بقلقي على صغيري الذي أُصيب بالحُمّى في اليوم السابق جرّاء لعبه تحت المطر ومكوثه خارج المنزل وقتاً طويلاً بملابسه المبتلّة .. لكنه استيقظ اليوم معافى ، فلِمَ القلق إذاً ؟!
أفاقني مِن شرودي صوت إمام المسجد ينهي الصلاة ، ليتبعها بعد لحظات أصوات الناس تملأ الشارع وهم يسارعون إلى بيوتهم لإكمال نومهم أو إلى السوق لشراء مستلزمات إفطار يوم الجمعة المميز لدى الكثيرين .
تركت المطبخ - بعد أن انتهيت مِمّا كان في يدي - متوجهة نحو غرفتي في الجهة الأخرى مِن المنزل لأرتاح قليلا ريثما يعودان فأطعم فارس وأُنيمه كالعادة .
لم أكد أدخل الغرفة حتى سمعت صوت انفجار مرّوع هزّ أرجاء البيت بل الشارع بأكمله .
كان قريباً جِداً للحد الذي شعرت به وكأنه في داخل المنزل .
لم أفهم ماذاك الشيء فأنا لم أسمع مثله من قبل ! لم تكِد تمر ثوانٍ قليلة حتى أعقبها انفجار آخر ، لكنه هذه المرة أوقع جُزءاً مِن جانب المنزل فقدكانت القذيفة قريبة جدا .
تجمّدت في مكاني ولا أعلم كم مِن الوقت مضى عليّ و أنا على هذه الحال حتى تنبّهت لأصوات سيارات الإسعاف تهرع إلى حيّنا ، وأصوات الناس المذعورة تتعالى وقداختلط صراخ الآباء ببكاء الأطفال و نحيب الأمهات اللاتي هُرعن إلى الشارع هلعا للبحث عن أبنائهن وأزواجهن بين المصابين .
تذكرت زوجي وطفلي .. نعم إنهما بين الجموع التي خرجت من المسجد الذي تم قصفه بأول قذيفة . كالمجنونة نزلت الدرج وأنا ألتهمها بقدميّ اللتين لاأعرف كيف استطاعتا حملي ! أخيرا وصلت إلى الشارع ورأيت منظرا ينخلع له القلب ؛ آباء يحملون أطفالهم على أيديهم والدماء تتفجر منهم ، وآخرين يبحثون عن أشلاء لإخوانهم أوأبنائهم ، وأطفالا يبكون بجانب جثث آبائهم ، والدماء والأشلاء والخراب يعمّ المكان.
شرعت بالبحث عن زوجي وطفلي وقلبي يكاد يتوقف رعباً من رؤية أحدهم وقد تناثرت أشلاؤه .. ياالله لاتفجعني فيهم فهم أغلى ماأملك في الحياة .
كانت عيناي الغارقتان في دمعهما تبحثان بقلق وخوف وقد أصبحت الرؤية بهما صعبة ، ولساني لا يتوقف عن الدعاء حتى شاهدته.. كان طرف الثوب الذي كان يرتديه زوجي عندخروجه للصلاة يبدو من بعيد .
أسرعت إليه لأراه وياليتني ما رأيته أو مِتُّ قبل رؤيته بهذا المنظر !
كانت بقايا ثوبه تسبح في بركة من الدماء بينما قدتطايرت أشلاؤه ولم يتبقَ منها سوى يده التي يضع فيها خاتم زواجنا .
وقبل أن أُفيق من صدمتي سمعت أنيناً خافتاً يصدر من مكانٍ قريب التفت لأرى طفلي فارس . آه يا طفلي الحمدلله أنك مازلت حيّ لتخفف عني مأساة فقد أبيك ، لكنني ما إن اقتربت منه حتى صرخت بأعلى صوتي من هول مارأيت ! كان غارقا في دمائه وقدماه الصغيرتان قدتحولتا إلى بقايا قدمين .
ركضت نحوه لأضمّه أو ماتبقى منه إلى صدري خِشيةأن تكون آخر مرة أضمه فيها .. فجأة تنبهت إلى أنه لم يَعُد يُصدر صوتاً ! انتابني الرعب من أن يكون .... أبعدت رأسه قليلاً لأرى عينيه وإذ بهما قد أُغمضتا نِصف إغماضة و ماتت بِهما الحركة وفمه مفتوح لكنه لا يصدر صوتا ولو ضعيفا ! وضعت رأسي على صدره علّني أشعر بأنفاسه فأرتاح لكنه و ياللألم لم يكن يتنفس .
يا إلهي توّقفت أنفاس فارس ؛ طفلي الصغير لفظ أنفاسه الأخيرة وهو بين يدي ّ، طفلي الذي لم يُكمل الرابعة مات يا الله بلاذنب ولاخطيئة يستحق بها هذا الموت وهذه النهاية ! صرخت عاليا بكيت بقلب يحترق وفجأة صمتّ تماماً فاقدة القدرة حتى على النُطق .
اقترب مني طبيب الإسعاف ليأخذه نظرتُ إليه باستسلام مادّة إليه ذراعي التي تحمل طفلي و كأنني أتوسّل إليه أن يأخذ روحي ليمنحها له .
جاءتني إحدى الجارات لتسألني عن زوجي وطفلي ؛ لم أتمكن من الكلام ، لقد فقدت النُطق مثلما فقدت القدرة على الحركة . كان كل الحي في ذلك اليوم مابين شهيد ويتيم وأرملة وأُمٍّ ثكلى ؛ جميعنا كنا يا ليلة القدر في عزاء جماعي ، ولا نزال .. منذ تلك اللحظة التي صمتت فيها أصوات المآذن ودوّت فيها أصوات القذائف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق