القصة القصيرة :آوان الندم ( قصة حزينة )

القصة القصيرة :آوان الندم ( قصة حزينة )

/ قصة قصيرة /اّوان الندم ..
لا أتذكر, منذُ أن تكونتْ لي ذاكرة بأني قد جلستُ إلى جانبهِ, أو لمستُ يديه, لم يبتسم في وجهي مرةٍ, بل كنتُ أهربُ إلى غرفتي حين ألمحهُ داخلا, أو حتى قبل دخولهِ حين أسمع صرير الباب وهو يُفتح, ليالٍ كانت تمرُ علي, احتضنَ فيها وسادتي وأغفو لأحلم كأني بين ذراعيهِ, أحدثُ دميتي ساعاتٍ لكنها مثله, لا تجيب, ولأني الصغيرة المدللة فقد سولتْ لي نفسي ذات مرة أن استخدمَ سلاحيّ هذا واطلبُ منه أن يصطحبني معه إلى الخارج , رده لي كان نظرة, لا زلتُ ارتجف حينَ أتذكرها ..
أشياءٌ كثيرة كنا نختلفُ عليها أنا وأخوتي, لكنْ الذي جمعنا هو شعور بالحرج حين نكونَ مضطرينَ لتقبيله أو ألقاء التحية عليه, لهذا كنا ننتظر خروجه من المنزل لنتخلص من ذلك العبء, لا زال ماثلا أمام عيني اليوم الذي وقع فيه الاختيار عليّ من قبل الجميع لكي أكون أول مهنئة له صباح أحد الأعياد, لحظات صعبة, بعدها, هربت من أمامه بخفة لأني رميت بشيء ثقيل من على ظهري..

ذاتَ ربيع, فاضتْ أنهاري, سقت صحراء الطفولة, فأزهرت على جسدي ثمارا يانعة, أريجها ملأ المكان, لمْ أدركْ وقتها لِمَ عيون أبي كانت ترقبني بقلق, لم أسمع همسه لأمي, لكن, فيما بعد فهمتُ حين مُنعتْ من ألخروج واللعبِ مع أقراني من البنات, أن ذلكَ كانَ قرار أبي , بعدها, كبرتْ المساحة التي تفصلني عنه حتى لم أعد أراه , حتى أنني بدأت أكرهه حتى تلك الحادثة التي انعطفت بيّ حيث أوقعني المرض فريسة له وبقيت طريحة الفراش أياما, سمعته وهو يخبر أمي بأنه سيموت بعدي أن حصل لي مكروه, لكنه أخفى رأسه بعيدا حين عاندته دموعه لتسيل على خديهِ ..
كبر أبي, وكبر حبي له الذي ولد على سرير المرض ..
أعوامي الثمانية عشر أغرتني بكسرِ الحاجز الذي بيني وبينه, بقيت أياما طويلة أفكر بمصارحته , بإعادة بناء الجسور التي هدمها الخوف, بقيتُ ارددُ الكلمات التي سأقولها له واستبدلُ واحدة بأخرى حتى اتخذت قراري..
في البدءِ رفضتْ أمي ثم استغربتْ من طلبي, , ليس فقط لأنه لا يشرب الشاي إلا من يديها , بل كانت خائفة من عدم تأديتي للمهمة بالشكل المطلوب, لكنها تراجعتْ حين وجدتني مصرة على أن اعمل ذلك بنفسي, كنتُ سعيدة لأنه أخير سيدرك مقدار حبي له ..
صرخة, حطمت ما كنتُ احمله, أطلقتها أمي حين رأتْ من النافذة سيارة مسرعة تدهسُ أبي وتتركه ميتا أمام المنزل..

كانت أمي قد أخبرتني, أن أبي نشأ يتيما, أدركت بعد سنين, أن فاقد الشيء لا يعطيه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القصص الأكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © 2025 دائرة القصة

close

أكتب كلمة البحث...